قطع حديثه عن تلك الفتاة التي خالها راهبة,وشرع بحديث آخرً لم يحوز به على إنصاتي ,ولم يجذب فكري بعيدا عن تلك الفتاة التي تحدث عنها.قلت في سري غافلا عن حديثه :
“ويحه .. وقد استكثر أن تفرح بنفسها ..
ويحه .. ولم يلتفت لجمالٍ حاولت ابرازه .. ففشلت ..
ويحه .. لم يعي بأنها كانت تستجدي بعضا من إطراءه ..
ويحه .. لم يدرك بأن نسكها قد أفقدها اتزانها .. حتى تضاربت الألوان في وجهها ..
ويحه .. لم يدرك ملامحها .. ولا نظرة عينيها .. وماكانت تقوله له ..
ويحه .. قد أخذه بكل مافيها ونال من زهدها .. ولم يغض بصره !”*
قلت له مقاطعا,حديثه الذي لم أنصت لكلمة منه:لا أصدق ماقلت عن تلك الراهبة ولم ينطلي علي إدعائك بغض البصر.
أطرق لبرهة.أجاب بعدها:هل أملك إلا أن أغض البصر وأغرق في مستنقع وحدتي .هل تتوقع مني أن أطري شبابها,أو أتغزل بوجهها الزاهر** او بجسدها الوافر … رشاقة؟أتنتظر أن أقول أنها في سيرها الهادىء بردائها الواسع كانت غصن يحمل زهورا هزها النسيم فتمايلت خجلا ؟
أم أنها كست جسدها برداء إصطبغ بالنبيذ لتُسكر من يراها وتُثمله؟
أتريدني أن أعترف لك أنها إمتلكت جمالا باهرا,وخجلا وقورا ,ورقة عذبة؟أن كلامها همس راهبة إذا علا أصبح ترنيمة شجية؟
قلت:ربما كانت تستجدي إطراءك؟
زفر وهز رأسه بأسى قائلا:مثلها لا يستجدي الإطراء وربما يتحاشاه ويتجنبه.فيكفي وجنتاها ماحبته الطبيعة لهما من حمرة فكيف إذا إزدادا حمرة بالخجل وإزدانا به. ياعزيزي, من يمشي مثلها ملاصق للحائط لا يريد ولا يطلب ولا يستجدي مديحا أو إطراءً.مثلها مكتفٍ منه زاهدا به.
قلت:تجنيت عليها حينما هجوت زينتها دون إدراك ملامحها.
أجاب:وصفت مارأيت وأسريت في نفسي ما أدركت .آثرت وصف سحب الألوان وغيوم الطلاء رغم أنها لم تحجب مادونها وحجبت عنك ما أدركته من سعة العينين, وإكتناز الشفتين, ولطف إستدارة الوجنتين.
تساءلت:أتظنها حاولت إبراز جمالها ففشلت أم أن نسكها أفقدها إتزانها فتضاربت الألوان في وجهها؟
أجاب:لا أدري.وأظن أن مثلها لايفشل في إبراز حسنه مهما سعى ولا يفقد توازنه مهما تعثر.
قلت:كنت سأقول لك “ويحك” لِما أبديت ولمّا بحت بما أسررت أقول بكل ثقة “ويح قلبك” لأن حالتك صعبه.
*الكلمات من تعليق زميلتناالجودي – صوت المرأة في كل الأحيان.غذّت كلماتها خيالاتنا وإستحقت منا الشكر والإمتنان.
**الزاهر من معانيها:حسن,جميل ,مشرق ,لامع ,متلألأ ,وشديد الحمرة.