Statuses

مذكرات سياره

In قصص, أخلاقيات, إشاعه, المرور on 04/05/2011 by t7l6m

جاءني متثاقلا ,ولج وأغلق الباب بقوة هزت أركاني.أدار محركي وقبل أن أفيق وتدب الحرارة في بدني غير ناقل الحركة(الجير)وضغط برجله بقوة على دواسة الوقود.إنصعت لأوامره وإنطلقت حيثما يريد.كنت أتوقع ,بسبب سرعته عند مغادرة بيته وأثناء الطريق ,أنه في رحلة لغرض هام ولكني فوجئت حين توقف عند إحدى المقاهي الحديثه.أوقفني حيثما و كيفما أتفق وأطفأ المحرك وغادر.عاد بعد برهة يحمل كوبا ورقيا .
أدار المحرك مجددا وأدار جهاز تكييف الهواء بأقصى طاقته قبل أن يعتدل في مقعده.تناول ,في عجالة ,رشفة من الكوب الذي يحمله فلسعته حرارة محتوياته.كنت أسهل وسيلة له وأقلها شكوي ليثأر لحرقة فمه.وضع رجله على دواسة الوقود ضاغطا عليها بكل ما اُوتي من قوة فدارت عجلاتي بسرعة شديدة راوحت خلالها في مكاني فيما أصدرت العجلات أصواتا مريعة على الإسفلت وإنبعثت منها روائح وأدخنة. خشيت أن يفقد سيطرته علي ولكنه أدار المقود بمهارة وغادرنا سالمين.
وضع كوبه في المكان المخصص بالقرب منه وتناول هاتفه.بدأ بالإتصال بعدد من أصدقاءه ,وإستغرق ذلك منه وقتا طويلا.كان محور الأحاديث مواعيد وأسعار وإتفاق حول “الخمر”.تنفس الصعداء بعد آخر مكالمة فأخرج من جيب قميصه عبوة”دواء ” تناول قرص منها ألقاه في فمه تبعته رشفة من القهوة التي لابد وأن فقدت من حرارتها الكثير بعد تلك الفترة.لاحظت تغيرا واضحا في قيادته بعد القرص.أصبح أكثر هدوءا وأقل سرعةً,فرغم إلتزامنا بالحارة اليمنى إلا أن السيارات التي خلفنا باتت تتجاوزنا مطلقة أصوات تنبيهاتها.
سرنا طويلا,بعدها رن هاتفه.أجاب بسرور وإنفعال شديدين,وأنهى المكالمة بعد وعد بالحضور فورا.زاد من السرعة رغم عجزه الواضح عن السيطرة على المقود .كنت أتمايل وسط الطريق فأقترِب من إحدى السيارات أو تقترب مني إحداها بسبب دخولي على شطر طريقها.بالكاد أنهينا رحلتنا بسلام حتى توقفنا أمام عمارة مطلة على ساحل البحر.غادرني لمدة لا أعلم كم طالت إستغرقت خلالها بالتفكير.
تذكرت كم كنت أشعر بسعادته حينما أخرجني من مرآب شركة التاجر وكيلنا .عشت بعدها معه فترة من الإهتمام المتبادل.كان يهتم بنظافتي الداخلية والخارجية ويزودني بأفضل وقود وأجود أنواع الزيوت.كان يعتني بأدائي فيذهب بي إلى الورشة للتأكد من كفاءة كافة أجهزتي وأجزائي,فيستبدلون ماتلف منها وينظفون ما يحتاج إلى تنظيف.لم أكن أقل إهتماما به فكنت حريصة على سلامته.كنت أصدر أصواتا لأذكّره بإرتداء حزام الأمان,كما أصدر تبيها له حينما يتجاوز السرعة المقررة.
جنبته كثير من الأخطار حينما إستجبت بكفاءة وفاعلية ومرونة لامثيل لها لضغط رجله على دواسة السرعة أو المكبح أو حينما يغير ناقل الحركة.أسرعت وأبطأت وتوقفت حينما كان الموقف يتطلب مني ذلك وحافظت على حياته من خطر داهم.
لاحظت ,مع مرور الوقت,تراجع إهتمامه بي حتى بلغ منتهاه مؤخرا.أصبح منظري قذرا من الخارج وأصبحت أشبه بحاوية قمامة في الداخل.عانى محركي كما عانى هيكلى وكافة مكوناتي من إهماله.أصبحت حركتي أصعب ومرونتي أقل مع جفاف زيوتي وتهالك بعض أعضائي الهامة من الإطارات حتى المكابح بل أن ماسحة الزجاج جفّت فأصابت الزجاج بالخدوش عند تشغيلها.
راعني تغيّر أسلوب قيادته فأصبح بطئه خطرا بعد تناول دواءه ويزداد خطورة مع زيادة سرعته وتهوره حينما يتناول الشراب.إستغربت من تلك الأفكار التي راودتني لأول مرة منذ معرفتي به التي تجاوزت عاماً.
قطع تفكيري إقباله نحوي مترنحا.بدت عليه سعادة زائفة وكست وجهه إبتسامة بلهاء.جلس على مقعده وأدار الموسيقى بأعلى طاقة لمكبرات الصوت.بدأ بالتغزل بي إلا أن نبرة حديثه وطريقة نطقه المتثاقله لم ترقني إطلاقا فتوجست منها .قال:”راويهم ياحلوه شتقدرين تسوين” وإنطلق بأقصى سرعة تمكّنت من تدبيرها له.كانت الرعونة واضحة في طريقة مسكه للمقود ووضع رجله اليسار أعلى التابلوه.كان يغني ويضحك على كلمات الأغنية ويعلّق عليها وهو منطلق بسرعة .كان ينحرف من حارة إلى أخرى متجاوزا السيارات وكدنا نصطدم ببعضها .تجاوز إشارة مرورية حمراء فأجبر المركبات القادمة من الإتجاه الآخر على التوقف المفاجيء والمربك لهم.صاح بنشوة كبيرة دون أن يخفف سرعته إقتربنا من الإشارة التالية التي تغير لونها إلى الأحمر قبل أن نبلغها بحوالي 100 متر وما أن بلغنا التقاطع حتى أصبح ممتلئاً بالسيارات المسرعة.حاول تجنب السيارات دون جدوى صدم الجانب الأيسر من مقدمة إحداها وإنحرفنا سريعا فإصطدمنا بحجر الرصيف العالي وضربنا أعلى السور الحديدي للجسر وتقلبنا حتى إستقرينا في الخط السريع أسفل الجسر .نلنا حظنا من ضربات السيارات التي تسلك ذلك الطريق وفقدت الوعي حتى هذا الصباح.
و أكملت حديثها لتلال من أقرانها المهشمة الزجاج والمعوجّة الهياكل والناقصة الأجزاء:ها أنا كما تروني مقاعدي ملطخة بالدماء ,وبقايا بشرية متناثرة في أرجائي و لا يستطيع سوى خبير تمييز أسمي بعدما تشوّهت وضاعت معالمي.
إني لا آسى على مآلي فأنا لا أشعر بالألم مثلهم ولكني حزينة على صاحبي حينما أتذكر كم رافقته إلى جامعته وحينما كانت ترافقه والدته وتدعو له بصدق وخشوع أن يوفقه الله.
وأكملت بنبرة ملؤها الحزن”تبا لهؤلاء البشر جعلوا منا سلاحا يقتلهم بدلا من أن نكون نعمة لهم وشاهد على تكريم خالقهم لهم.”

“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ”
سورة الإسراء ( 70 )

6 تعليقات to “مذكرات سياره”

  1. انت عجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــب

    شلون يتلك هالفكرّة..:)
    اللهم بارك ماشالله ماشالله ابهرتني صراحه
    سرد رائع
    قصة رائعه…
    اتخيلها لو كانت مصوّرة راح اتكون شي تربوي وتعليمي وتثقيفي للكبار والصغار..
    الإسلوب حلو صريح..وكلماته بليغه وسلسه ((على فكرة انا وايد أعجب بإسلوبك القصصي
    وارتاح له وأحاول أحيانا إني احتذي به في كتاباتي ))

    وتبي الصج عيوني غورقت اخر القصة وتأثرت..
    رب يرحمنا برحمته وياجرنا من الطيش والسرعه والخطأه..
    حسيت الرساله لي من كثر ما اسرع الله يهديني كله شاخطه…
    صج اني من نص 10 ابريل وانا ما اعدي ال 80 🙂
    بس هالقصة بتخليني اتمسك بقراري والتزامي

    شقولك…قصة روعة ماشالله واسلوب فريد..متميز كالعاده اخوي
    بارك الله لك في ها القلم…وهذه الأفكار
    احترامي

    • شقولج دكتوره
      صراحه آنا عاجز عن الشكر لكلماتج المشجعه وتواضعكم الجمّ حينما تقولين بإحتذاءك بالإسلوب
      أتمنى أن يكون أثر القصة وفائدتها على جميع القراء كما كانت عليك
      الشكر مرة أخرى على كلماتكم الطيبه التي تعكس ثقة وإنسانية
      حياج الله نورتي مدونتنا

  2. مادري ليش سوالف السيارات تشدني، مع أني مو زود عالسيايير
    هالايام صوت سفايف سيارتي تذكرني بدوارف حديقة الاندلس

    الله يعطينا خيرها ويكافينا شرها 

    • يا حيالله جندل نورتينا
      إذا السيايير سوالفه تشد كل يوم بنكتب عنها
      لا تحاتين صوت السفايف يا محتاجه تنظيف وإذا مو مبدلتهم من زمان شوفي الديسك
      اللهم آمين يكافينا شر السيايير
      حياج الله أسعدنا مروركم ومشاركتكم

  3. خوش شي القصه
    فكرتها تعليميه
    ومثل ماقالت سله
    اسلوبك يشد القارئ
    وبعدين ترى شلختوني انا هالايام عندي ضغط بالدوام وما افج النت
    وووووووايد مشغوله بالبيت وماني قادره الحق على بوستاتكم
    ودي اعلق على كل شي
    قواك الله

    • الله يقويج أختي
      يسعدنا دائما تعليقاتكم ومعذوره إذا مشغوله وماعلقتي
      الحمدلله عجبتكم القصه والكلام الطيب من ذوقكم

اترك رداً على t7l6m إلغاء الرد