سنوات وأنا أتردد على القاهرة .وتصادف خلال بعض الزيارات أحداث جسام وأخري خرطية*.شهدت ثورة يناير وشاهدت أحداثها حية فقد كنت متواجدا يوم 25 يناير 2011 وقضيت يومان بعد جمعة الغضب .شهدت تجمعات المصريين في ميدان التحرير قبل إعلان نتائج إنتخابات رئاسة الجمهورية,وسمعت هتافاتهم,بعد إعلان فوز مرسي, وأنا على بعد عدة كيلومترات من الميدان.لن أذكر مزيدا من الأحداث التي كنت متواجدا خلالها في القاهرة لكي لاتتطيروا مني.
المهم,وماعلينا بالمصري,كنت قبل أيام في الفندق المأسوف على شبابه والمعروف بسميراميس.كنت أريد أن أذهب إلى أحد الشوارع التي تقع خلف الفندق.في الجانب الخلفي من الفندق يوجد ميدان “سيمون بوليفار”.ولا يغركم وصفه بميدان فهو حقيقة تقاطع لثلاثة شوارع فرعية في طرفه دائرة قطرها متر وكم سم(سنتيمتر)فيها نصب رخامي يعلوه تمثال نصفي لمحرر أمريكا الجنوبية المدعو سيمون إهداء من “جمهورية فنزويلا البوليفاريه- وهو الإسم الرسمي لفنزويلا).والأهية الإستراتيجة للميدان تنبع من قربه من وزارة الداخلية (و/أو أمن الدولة) والسفارة الأمريكية وهي وجهات مفضلة للمظاهرات الأخيرة.
الميدان شهد(في غيابي )أحداث دامية كما شهد في وجودي في القاهرة بعيدا عنه(هارب إلى الزمالك) أحداث لاتقل دموية وعنفا.ونتيجةلذلك تم إغلاق شارعين من الشوارع الثلاث ,التي تؤدي إلى الميدان, بحاجز من كتل إسمنية بإرتفاع ثلاثة أمتار.
المشكلة أن الظروف إضطرتني للذهاب إلى واحد من الشوارع المغلقة سيرا.كنت أظن أني أحتاج أن أسير إلى نهاية الشارع الوحيد السالك وأتجه يمينا لدخول الطرف الآخر من الشارع المغلق.تبين لي أنني مخطيء.
كان في الميدان ماكان يبدو أنه مدرسة (وما كنت أشك أنه مقر أمني مستتر) .المبنى حاليا خرابة بلا سور أمامي.كان الناس يتدفقون من جهتي الشارع المغلق من خلال فتحة في السور الجانبي للمبنى.شاركت أخواني المصريين,منحنيا, تجربة العبور .قلت لرفاق العبور (ويازيني وأنا أرطن مصري) “المفروض يعملوا فتحة للدخول وفتحه للخروج” .تألمت لما شاهدت في الجانب الآخر من الشارع .كان هناك مبنى محترق ومكاتب ومحال مغلقة أحدها المكتبة التي كنت أقصدها.ورغم ذلك كانت هناك حركة بصورة أو بأخرى في الشارع.في نهاية الشارع كان هناك مجموعة من رجال الأمن المركزي جالسين على عتبات مدخل مبنى حكومي.يقع في نهاية الشارع الذي كنت أسير فيه شارع القصر العيني وهو شارع رئيسي يضم مجلسي الشعب والشورى وبعض الوزارات ومطعم مشويات وحمام “أبو شقرا”.
كان الوضع في شارع القصر العيني أسوأ مما توقعت.كانت نهايته التي تربطه بميدان التحرير مغلقا بكتل خرسانية.شاهدت كثيرا من رجال الشرطة في مواقعهم في الشارع وآخرين في مستودعاتهم المسماة شاحنات الأمن المركزي .وحدث ولا حرج عن التواجد الأمني أمام مجلسا الشعب والشورى .
مشيت في الشارع الذي أصبح موقفا مكشوفا للسيارات.بعد عدة مئات من الأمتار واجهني حاجز من الدعامات الحديدية مكسوة بصفائح من ذات جنسه.كنت على وشك تجاوزه,مكرها,بدخول طريق فرعي على يمني.لم أكن أريد الدخول في أزقة المنطقة وشوارعها الضيقة التي يتوه فيها خبير مرور مصري .لاحظت أن حركة المشاة على الرصيف المقابل لرصيفي نشطة.لاحظت أن كثير من الناس يدخلون بقالة ملاصقة للحاجز المعدني وقليل من الناس يخرجون منها.توجهت نحوها فإذا بورقة على زجاجها مكتوب فيها “ممنوع عبور البضائع”.كان للبقالة باب ثاني يطل على الجهة الأخرى من الشارع المغلق فأصبحت ممر عبور للمشاة .
أسفت لما آلت إليه القاهرة بعدما كانت دار أمن وأمان.وذكرتني رحلتي ,راجلا, بما قرأته عن تقسيم بيروت إلى شرقية وغربية خلال سنوات الحرب الأهلية.وأيقنت أننا كشعوب عربية,وقد لا تتفقون معي,لا نستحق الربيع .
*خرطي و جمعها خرطيه:أمور تافه ,ليست ذات شأن.