كما أسلفنا ,كانت الأحاديث التي دارت بين مي وحمد كثيرة , إخترنا منها ثلاثة,تناولنا أولها.
الحديث الثاني بدأ عندما كانا يتجولان فأشارت مي إلى إحدى المباني المطلة على النيل ,
مي:حمد شوف هالعماره هني شقتنا بالدور السابع.
حمد:أقول أنا خابر عندكم شقه .إستغربت ساكنه بفندق.
مي:هذي بروحها قصه.
حمد:شورانّا نسمعها.
مي :كل مره أيي مصر ويا أحد من أهلي.يا مع أخواني أو مع عيالهم الكبار.
هالمره حنّت عليّ بنت عمي تبي إتيي مصر ويا بنتها,وعقب ما حجَزْت ووصيت الخدم ينظفون الشقه وإمام يجهز السياره صار عندهم شوية ظروف وهوّنوا. الحين ,أنا التذكره بأيدي وجنطتي زاهبه وودي أسافر قلت حق أخوي السالفه رضا وخلاني أسافر لا وأسكن بفندق بعد.صراحه أستاحش أقعد بالشقه بروحي .
حمد يتصنّع الفكاهة لإخفاء حقيقة شعوره :أشوَه محد يا معاج جان خسرنا شوفتج وما كلينا فندال(بطاطا حلوه).
وعلى الرغم من أن مي لم تخبره بظروف إبنة عمها والتي كانت السبب المباشر لموافقه شقيقها الأكبر على سفرها منفردة ,دون تردد,إلا أن حمد شعر بالأسى.أحس أن مي لا تملك قرارها ولا تزال ,وهي في أوائل الثلاثينات من عمرها ,تحت وصاية شقيقها وخطواتها رهن موافقته.وربما تعّمق أساه أو شعر تجاهها بالشفقة لو علم أن الظروف المزعومة لقريبتها لم تكن سوى خطبة إبنتها التي تصغر مي بسنوات عديدة.
تلك الليلة باتت مي وهي في حرج شديد وما فتأت تؤنب نفسها “شيقول الريال عني؟ما تسافر إلّا ويا أهلها ويوم سافرت بروحها قامت تطلع وياي, جنها ناطره الفرصه .الله يالفشله.واخزياااه”
في يوم آخر,دار حديث آخر.
قالت مي :تصدّق حمد على إللي بين أهلي وأهلك ما أذكر إني شفتك غير يوم عرسك.شكثر إنعزمنا في بيتكم وما قد صادفتك.
حمد:شلون نتصادف و الحجيه أم حمد إذا عزمت حريم تطردني من البيت وتحدد إقامتي الجبريه بالدوانيه.
مي :يحليلها خالتي الظاهر خايفه عليك .
حمد,ضاحكا:الظاهر .( وفي سره يقول :هيّن إلا خايفه عليكم)
مي :عيل شلون دريت منو أنا إذا مو شايفني؟
حمد,رغم مفاجأة السؤال: منو يقول ما شفتج.
مي: صج شفتني ؟ما أذكر.
حمد:مره أبوي زاير أبوج بلندن وخذاني أنا وفاطمه وياه,وقعدتوا تلعبون وأنا أطالعكم.
مي:حمد noooo please لا تقول.
سالفتك عتيجه و مغبره.من صجّك؟
حمد: صج والله.ليش؟
مي:ابوي الله يرحمه ما راح لندن إلا مره وحده ,وحتى ما طوّلنا فيها.رجعنا مصر و كملنا العطله.ماحَبها أبوي يقول شيقعّدنا بديره إذا تمشيت فيها جني أطرم ما أعرف أحاجي أحد.
حمد:قبل لا ترجعون مصر.
مي:أكيد قبل لا نرجع,بس هالسالفه من زمان يمكن أنا عمري حزّتها 11 أو 12 سنه.
حمد:صح كلامج.كنا صغار .
مي,بين عدم التصديق والرغبة به,ودفقة من سرور أصابت وتراً أنثويا فيها جعلها تزهو :وما نسيت شكلي من ذاك اليوم؟
حمد ,متجنبا تقديم إجابة مباشرة:أمينه إختج شفتها عند الوالده جم مره.وفيكم من بعض يعني أشابيهكم وبوهتكم وحده.(مو وقته تزعل من التشبيه,صج شياب لي ياب)
مي وقد راق لها الحديث وإستمرأت حرجه الظاهر:زين شنو قلت عني أول مره شفتني؟
حمد بإقتضاب,وقد إكتست وجنتاه حمرة الخجل التي فاجأته أكثر مما فاجأت مي:ما أذكر.
مي, في تردد واضح بين الإمعان بإحراج حمد والإستزادة من حديث قد لا يخلو من مديح لها :الحين تذكر السالفه عقب كل هالسنين وما تذكر شنو قلت.
حمد:بس عاد عن الإحراج,شقلت يعني يمكن قلت يحليلها هالبنيه.
(وهمس لنفسه :شتبين أقولج ؟حاشني عقر بقر وتدودهت يوم شفتج وأنا ياهل ,يبي يروح رابعه إبتدائي, وما صدقت أن أكو بنيه هالكثر حلوه.).تذكر حمد صدق وصفاء وبراءة إنطباعه عن مي وهو طفل لم تشوّه تفكيره مرحلتي المراهقة والشباب.قال “صج كانت حلوه,وبنت اللذينه لي الحين كيكه ذابحتني,من أشوفها أتبَرْيَدْ”.
إكتفت مي بتلك الأجابة التي تحمل ,بوضوح,بين طياتها إنطباع إيجابي حمله حمد تجاهها ولايزال يذكره.وتساءلت في نفسها هل ستطرق مسامعها الإجابة في يوم قادم من حياتها,أم سيضع خيالها الإجابة من وحيه حينما تسترجع ذكريات هذه الأيام وروعتها.وجاءها هاتف من ثنايا روحها التي ألفت الوحدة”ربما ستُسلّين وحدتك بتلك الذكريات” فتنهدت .
مساء ذلك اليوم قررا زيارة خان الخليلي.تجوّلا في أرجاءه,وتسكعا في أزقته,وملأ أعينهم من معروضات حوانيته.حاولا دون جدوى تجنب الباعة المتجولين ,والأطفال المتسولين,فإشتروا من بعض هؤلاء وأحسنا لهؤلاء.
أشارت مي إلى مقهى فقالت:هذا مقهى(نجيب محفوظ).
حمد,و قد إكتشف شيئاً جديراً بالزيارة:صج! خل ندخل.
دخلا المقهى وجلسا حول مائدة صغيرة في المقهى المزدحم.كانا في مواجة فرقة تعزف بآلات شرقية موسيقى من ذات جنس آلاتها.شاهد حمد أحد رواد المقهى يتحدث إلى عازف العود بعد أن ناوله ورقة نقديه .غنّي العواد بعدها أغنية بدا واضحا أنها من إختيار ذلك الزبون.وما أن ختمت الفرقة أغنيتها حتى ذهب حمد إلى صاحب العود ونفحه بورقة نقدية من الفئة الكبيرة و أسر له ببعض الكلمات.
بدأت الفرقة بالعزف وبدأ العواد بالغناء:
أنساك ..ده كلام.. أنساك يا سلام
أنساك ..ده كلام.. أنساك يا سلام
(عاد وكررها مرة أخرى,بناءا على طلب الزبون,قبل أن يضيف)
ده مستحيل..ألبي يميل
ويحب يوم غيرك ,أبداً أبداً
أهو ده اللي مش ممكن أبدا
كان حمد يختلس النظر إلى مي التي كانت تعبث بهاتفها وكأن الأمر لا يعنيها.وعلى عكس ما أوحت به تصرفاتها فقد كانت على ثقة بأنها المعنية بكلمات الأغنية. أدركت سر إختيار حمد هذه الأغنية فقد أجابت كلماتها عن تساؤلات نهار ذلك اليوم.جرى في روحها سيل من السعادة ما لبث أن توقف.
فوجيء حمد برد فعل مي,أو بالأحرى بغيابه .كان ينتظر إبتسامة فإن لم يكن فنظرة كانت تكفيه.تأكدت لحمد شكوكه بأن هناك ما يقلق مي.
وفي طريق عودتهما فاجأته مي ,فعلِم سر قلقها.
يتبع,,,,,,,,,,