Articles

في المكتب الكبير

In قصص on 14/11/2013 by t7l6m

بعد موعد مسبق، وبعد المرور عبر المكتب الفسيح لمدير مكتب المسؤول، وبعد إستئذان مدير المكتب من المسؤول، دخل المواطن على المسؤول بعد ان أعطاه مدير مكتبه إشارة السماح. تشاغل المسؤول بأوراق على مكتبه. كان المواطن واقفا أمام المكتب الكبير للمسؤول . قال المواطن بنبرة عادية ” السلام عليكم”. توقف المسؤول عن تمثيلية إنهماكه، ومسرحية إنكبابه على الأوراق. كان يتمنى تحية أكثر حماسا وعبارة أكثر إجلالا تليق به على شاكلة ” صبحك الله بالخير طال عمرك”. رفع المسؤول رأسه ببطء شديد يتناسب مع التحية الباهتة لهذا البائس المدعو مواطن. برزت أرنبة أنفه قبل أن يكتمل مشهد وجهه للناظر. كان وجهه مشدودا نحو أنفه. الشفتان منقبضتان نحو الأمام، الوجنتان تكومتا نحو الأعلى، وضاقت عيناه بسبب ضغط عضلات الوجه عليهما. كان وجهه كمن إشتم رائحة كريهة، أو كأن أحداً أطلق ريحه في وجهه,متعمدا. من المؤكد أن دافعه لتلك الحركة شيء آخر لا علاقة له برائحة المواطن التي كانت عادية . قد يكون دافعه التعالي، وقد يكون طبع إعتاد عليه حينما يقابل مواطن عادي. لا يهمنا دافعه أو تحليل رائحة المواطن فالأهم ماحدث بعدها.

قلنا أن المسؤول الذي يحتل مدير مكتبه مكتب واسع فسيح رفع رأسه ببطء نحو المواطن العادي الذي طلب موعد لمقابلة المسؤول ولكننا لم نعرف غرضه من المقابلة. فالمشهد التالي يضعنا جميعا في حيرة: ما أن تلاقت عينا المسؤول بعيني المواطن العادي حتى قال له المواطن العادي بلا مقدمات، وبنبرة محايدة لا نعرف إن كانت صيغتها إستنكارية,أو تقريرية, أم إستفهامية، قال له ” أنت حمار”.

المسؤول جن جنونه إلا أنه حافظ على رباطة جأشه( أو ربما جحشه). لم يكن جنونه المكتوم سببه تلك الكلمات فقد قيلت له، وإن بصياغات مختلفة تؤدي ذات الغرض مثل ” أنت أثول” , أو “أنت ما تفتهم” , أو ” أنت يالدنبك”، ممن يعلونه في المسؤولية. ولتحري الدقه فمن وجه له تلك العبارات ، وغيرها، لم تكن مسؤولياتهم تفوق مسؤوليات المسؤول الذي قال له المواطن العادي ” أنت حمار” ولكنهم كانوا يعلونه في السلطة. فمن سخريات القدر, ومن مفارقات نظام الخدمة المدنية أنه كلما زادت سلطة المسؤول قلت مسؤولياته فالمسؤول عن أي خطأ لابد وأن يكون من المراتب الوظيفية الدنيا.

نعود مرة أخرى الى مسرح جريمة المواطن العادي الذي قال للمسؤول “أنت حمار” فجن المسؤول دون أن يظهر جنونه.قلنا أن العبارة أو مرادفاتها سبق أن هزت ذبذباتها طبلة أذن المسؤول صادرة عن حناجر ممن يعلونه بالمنصب أي أن العبارة بحد ذاتها لم تكن سبب جنونه الخفي ,فسبب جنونه مصدر الكلمات لا ما تحمله من معاني.
مرت لحظات كالدهر على المسؤول دار خلالها عقله بسرعة محرك توربيني .تساءل في سره “كيف يجرؤ مواطن عادي أن يتفوه بتلك الكلمات في حضرتي ناهيك عن أن يوجهها لشخصي؟”.كان الغضب يعتريه ,والرغبة بالإنتقام والثأر تتأجج في جوفه.فكر أن يستدعي رجال الأمن ويرفع قضية”إهانة موظف أثناء تأدية عمله” ضد المواطن ,إلا أن عقله حذره من مواجهة المواطن, وأنذره أن الرد على المواطن قد يأتي بنتيجة عكسية. إستعادت ذاكرته كم “المرمطة” وحجم “الطنازة” على صفحات الجرائد وفي تغريدات تويتر التي طالت أحد المسؤولين الذي قامت موظفة بقذفه “بالدباسة” .قرر أن ينهي الموضوع بهدوء (وبلاش فضايح). قال المسؤول الكبير للمواطن “لو سمحت إطلع بره”. شعر المواطن بإنكسار المسؤول الكبير ونبرة الإستجداء التي لوّنت عبارته. ألقى المواطن على المسؤول نظرة إستعلاء بوجه عابس.غادر وهو بكامل الإرتياح.
خرج المواطن من مكتب المسؤول الكبير وعبر مكتب مدير مكتبه الواسع بزهو.

توجه المواطن إلى مكتب مسؤول آخر وطلب من مدير مكتبه أن يحدد له موعداً لمقابلته.

الإعلان

2 تعليقان to “في المكتب الكبير”

  1. ابتسامة بسيطه هادئة تتسم بقليل من السخرية اعتلت وجهي .. بعد الانتهاء من قراءة البوست

    للأمانه لا أعلم سببها .. هل فهمي بمغزى تحديد المقابلة الجديده لمسئول جديد ..

    أم ..

    الله لايشمتنا ولا يشمت عدو فينا وربي لا يجعلنا مقصرين أو ظالمين .. فنواجه أمثال هذا المواطن بخنوع ..!

    عساك على الوقوة

    • من المؤكد أن الإبتسامة سببها تحديد موعد لمقابلة مسؤول آخر,على الأقل هذا ما كنت أتمناه ممن يقرأ البوست.

      وعذرا,لا أعرف بماذا أرد على “عساك على الوقوة”.

      أدري غلطه مطبعية.
      الله يقويج

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: