شعر بالشفقة تجاهه حينما رآه يستند على عكازتيه متجها لبرادة الماء يملأ كأسأ ليشربه.أصيب إبنه بكسر في قدمه بسبب “البقي” اللعين.عندما رآه مستندا على عكازاته تذكرها رغم العقود الثلاثة التي فصلت بين الواقعتين.كانت زميلته في معهد اللغة.فتاة مكسيكية حسناء تحرص على اناقتها .كان مظهرها يعكس شخصيتها.تسريحة شعرها البسيطة أقرب لتسريحات النساء الناضجات منه لتسريحات فتاة لم تبلغ العشرين.ملابسها محتشمة حتى وفقا لمقاييسنا الشرقية.لم يراها ترتدي بنطلون جينز وتي شيرت:الزي المعتاد للطلبة .
رغم جديتها ,وربما بسببها,ورغم هدوءها ومظهرها المريح والمسالم إلا أنه كان لايرتاح لها وربما يبغضها. إستمر ذلك معظم فترة الكورس.
كان يحب المرح فلا تخلو أي محاضرة من تعليق له أو مشاغبة تصدر عنه بشكل أو بآخر.ربما كان محور مجموعة الطلبة متعددة الجنسيات ومن المؤكد أنه كان أكثرهم تحصيلا ومشاركة في المحاضرات.كان يكره ردة فعلها على بعض تعليقاته أثناء المحاضرة .كانت قليلا ما ترد بعكس مايقول وتتجهم بعض المرات إلا إنها كانت تخفي إبتسامتها بسبب بعض التعليقات بل وعجزت أكثر من مرة عن أن تتمالك نفسها من الضحك بسبب مشاغبته وقفشاته.
كانت المجموعة صغيرة وأقربهم منهم إليه صديق الطفولة وشريكه في شقة الغربة ومحرضه على المشاغبة.كانا يعاملونها بفتور ولا يستسيغانها وكانوا جميعا يتصنعون أن العلاقة طبيعية بينهم.إستمر ذلك لأشهر.
في ظهيرة يوم جمعة ربيعي شمسه ساطعة كان ,مثل معظم الطلبة, يغادر الكلية بحماس وشوق لعطلة نهاية أسبوع . كان يهبط سلالم المعهد بصحبة صديقه وكانت تسبقهما برفقة زميلتها,وقبل نهاية السلم بدرجتين سقطت وأوقعت كتبها على الأرض.توجه نحوها مسرعا أمسكت يده وإستندت بيد أخرى على جزء بارز من الحائط ونهضت.كان وجهها يكسوه الخجل وكان وجهه ينضح بالتأثر مما رآه.جثا على ركبتيه وبدأ يجمع كتبها المتناثرة.نهض حاملا الكتب ووقف في مواجهتها.لحظتها كانت تحرك يدها أعلى فخذها الأيمن وسمع صوت إحتكاك معادن.إعتدلت بعدها في وقفتها .أخذت منه الكتب وشكرته والحرج والخجل يغالبانها.
أدرك حينه سبب عرجها البسيط : ساقها الأيمن صناعي .شعر بشفقة كبيرة نحوها.ما إن غادرا المكان هو وصديقه حتي أطلق الأخير ضحكة كتمها.شعر بسخافة صديقه وضحالة إنسانيته وكان الموقف أحد السقطات التي أنزلت صديقه العزيز من مكانته العالية في نفسه.
إختلفت نظرته لها وشعوره تجاهها في الأسابيع القليلة المتبقية من الكورس.لام نفسه على مشاعره تجاهها قبل سقوطها.وبعد سنين طويلة أدرك كم نحن بحاجة إلى أن نشفق على الكثيرين وأولهم ذواتنا الناقصة.
اترك تعليقًا