Statuses

شيء من تاريخنا

In قصص, أخلاقيات, إقتصاد on 17/07/2011 by t7l6m

تأوهت بعد أن ألقاها العامل على الأرض فور إفراغ محتوياتها في السيارة المخصصة .نادت زميلتها الملقاة بالقرب منها.قالت لها أتدرين أننا و أمثالنا لم نكن موجودين في هذا البلد منذ عقود قليلة.
سألتها بتعجب:لماذا؟
أجابت:لم تكن هناك حاجة لنا,فقد كان الناس يأخذون مخلفاتهم البسيطة إلى مايسمى ب”السمادة”وهو ركن مخصص لذلك في كل حي من أحياء المدينة الصغيرة .وكان العمال يجمعون المخلفات القليلة في عربة يجرها حمار تابعة لدائرة البلدية.حيث يحرقونها في منطقة تمتليء بالقاذورات وتعلو سماءها الأدخنة تسمى “المياص” (بالقرب من بوابة البريعصي القريبة من مجمع الأوقاف) .
ببساطة كانوا فقراء .فمعظم الناس لا توجد لديه مخلفات لإلقاءها إلا فيما ندر.فالغذاء يتم تحضيره بما يكفي سكّان البيت دون زيادة,وربما بنقصان,والملابس يتم إرتدائها حتى تبلى وبعدها يتم إستخدامها للتنظيف والمسح والتلميع. ولا يتم التخلص من الأثاث و الأمتعة والأواني المنزلية بل يتم ترميمها وإصلاحها إذا ما تُلفت .ولكم أن تتخيلوا أن هناك صُنّاع مهنتهم إصلاح الأواني المنزلية المصنوعة من الخزف المزجج (الصين) الواحد منهم يدعى ب”المجنّي”.
وبعد أن لاحظت فضول زميلتها ورغبتها بمزيد من المعلومات قالت حاوية المهملات بلسان العارف بالأمور:
كنا أحد مظاهر الثراء .ويحكي أشباهنا القدماء أنهم كانوا من أوائل ماتم إستخدامهم لهذا الغرض في أوائل خمسينيات القرن الماضي.ظهروا مع ظهور الضواحي والأحياء الجديدة ولم يتم تصنيعهم خصيصا لأداء تلك المهمة . كانوا براميل زيوت ومشحّمات وضعتها الأسر الغنية أمام منازلها لهذا الإستخدام فيما إستخدمت الأسر الأقل ثراءا مايناسب حجم مخلفاتها :ذات البراميل بعد قصها إلى نصفين.ورغم صغر حجمها فقد كانت تستوعب مخلفات المنازل ولم تكن تمتليء كما هو حالنا اليوم.
المثير للدهشة,ربما,أن أول ما ألقته الأسر بعد إنتقالها للمنازل الحديثة مقتنياتها ومستلزمات معيشتها في بيوتها القديمة.ألقوا الملابس وبعض المستندات ومعظم أدوات الطبخ والمائده والأثاث.كانوا, بشكل أو بأخر,وكأنهم يتخلصون من ماضي لم يرق لهم وتركة أنهكتهم.ورغم إرتفاع مستوى الدخل إلا أن الناس حافظت,لفترة,على روح التواضع والحرص والمحافظة على المقتنيات.لكن الميول الإستهلاكية والإسراف تدب في المجتمعات شيئا فشيئا تبدأ بطيئة ومع مرور الزمن وزيادة الدخل تتسارع وتيرتها.
ضحكت الحاوية الأخرى ملءفتحتها وإهتز غطاءها من فرط ما أصابها وقالت:ليت الأقدمون منا ومن هؤلاء البشر يرون حالنا وحالهم فقد أصبحنا أخف وزنا وأكبر سعة ورغم ذلك فإن مايلقى بجانبنا يفوق مايلقى في جوفنا وكم سيُصدم أقدموهم من إسراف أبناءهم وأحفادهم ليس بسبب حجم مايلقونه من طعام وملابس وورق بل من أجهزة وأثاث وألعاب وإكسسوارات لم يسمعوا بها. وكثير من الأشياء التي يتم إلقاءها يمكن إستخدامها وبعضه يحتاج إلى إصلاح بسيط.
وأضافت:كنا رمزا للثراء,ومازلنا,وغدونا رمزا للإسراف فكثير من مخلفات هؤلاء يعتبر كنزا لشعوب أخرى,بل لأناس يعيشون في هذا البلد.
إبتسمت الحاوية الأخرى قائلة:صحيح,فعمال النظافة يفرزون محتوياتنا من ورق ومعادن وأوعية بلاستيكية ليبيعوها لزيادة دخلهم المتواضع.

شكر خاص لبوبدر على معلوماته التاريخية المستقاة من الشياب ربعه ممن عاصروا تلك المرحلة وهذه.

الإعلان

16 تعليق to “شيء من تاريخنا”

  1. الشيء بالشيء يذكر . القمامة واعادة تصنيع المخلفات يذكرني باليابان . اذا اردت جرعة كبيرة من التحلطم في مدونتك. شاهد خواطر 5 على اليوتيوب وانظر لليابان من الداخل

    شكرا لك

    • حيالله بن محمدي
      وبإذن الله أشوف البرنامج ونتحلطم
      أذكر شفت مره برنامج عن إعادة التصنيع في اليابان
      وكانوا يجمعون جرايد وزيت قلي مستهلك من الناس
      ويعطونهم بالمقابل صابون مجروش وكلينكس حمام

  2. فكرة عجيبة مؤثرة وهي تشير للفرق بين اخلاق الماضي والحاضر فالاسراف العام في البلد هي أخوة عامة للشياطين بدلالة القرآن بينما كنا في الماضي اهل الاقتصاد حقا رغم الفقر فأنظر المفارقات فاليوم لوفرة المال نتحدث عن الاقتصاد ونحن للإسراف وأخوة الشياطين اقرب وبالأمس كنا المقتصدين دون كثرة حديث في الإقتصاد ، نحتاج إعادة تدوير لفكرنا ونظرتنا وطرحنا وكما فعلت هنا حيث جعلت التحلطم يجري على لسان القمامة فكان تلحطما مثيرا ملفتا للنظر .. ولكن نسيت شخصية عتوي مكرّش مختبيء من وراء هذه القمامة وهو متمدد يشعر بالتخمة ولسان حاله يقول العميل يبي ينام :))

    • أشكرك أخوي جاسم على مشاركتكم والطرح الذي أعطى بعد إضافي للموضوع
      مع الأسف إسرافنا الحالي ورغم أنه جريمة بحد ذاتها
      إلا أن الأغلبية تمارسه دون التفكر بالنعمة ودون حمْد من وهبها لهم سبحانه
      وصج محتاجين إعادة تدوير لفكرنا وثورة في عقلياتنا
      والعتوي مانسيته
      كنت ناوي أدشش سؤال اليهال في حوارهم : “شنو الجماد إذا طقيته بجماد يطلعلك حيوان؟”
      لكن مابغيت أطول عليكم بالإضافة إلى مآرب أخرى
      حياك الله بو حمّود وايد إستانست على هالمشاركه وشكرا على الريتويت

  3. أروبا من فترة طويلة دأب سكانها عن طريق جمعيات مخصصة لذلك على جمع الملابس المستعملة والصالحة للا ستعمال فى حزم و حاويات ثم غسلها ورشها بمادة كيماوية للحفاظ عليها من آفة القرضة و يتم أرسالها الى دول العالم الثالث الفيرة و الدول الأفريقية .. ثم بعد ذلك يأخذها المتعهد و يعرضها فى أسواق المستعمل بأسعار زهيدة .. هكذا هم يساهمون فى رفع معاناة الاخرين و التخلص من الزائد عن حاجتهم ..

    مقالك هادف و ممتاز ..
    لا تنسى رحلة السفرى .. فى أعضاء جدد أنضموااا :)))

    • ربما إعادة تصدير الملابس المستعمله وسيلة لإعادة إستخدامها
      لكن المشكلة أن العالم أصبح إستهلاكيا بدرجة كبيره

      شكرا على الإطراء
      وما راح أنسى الرحله سواء كانت سفري أو سافاري
      خصوصا بعد الأعضاء الجدد هههه
      حياك الله أخي قوس دائما تمتعنا وتكرمنا بزياراتكم

  4. قصدى السفارى

    • واضح القصد دون إيضاح
      وأمس قرأت شوي من الجزء الرابع من قصتكم الرائعه
      ولم يتسنى لي إستكماله والتعليق عليه
      لكن بداية طيبه بترتيب البيت والذهاب إلى مطعم

  5. شلونك تحلطم موضوعك اليوم خلاني أعيد التفكير في فكرة معرض نويت في يوم من الأيام اسويه,وفكرته ببساطه مكان وسيع(ملعب كرة قدم) وكل شخص لديه اي شيئ قديم (ملابس,اجهزة,العاب,اثاث,مواعين(ادري عندنا في الكويت يغيرون مواعين الاكل كل رمضان وأهلي منهم ) وفكرت أسويه بالربيع علشان الجو يكون حلو وشرطي للمشتركين هو نص ريع البيع يتم التبرع فيه لبيت عبدالله ونص الثاني للمشترك

    تحلطم ترى انا شفت نفس هالمعرض في مدينة شيفلد في بريطانيا,ومن يومها وهو في بالي.

    • الفكره ممتازه والحمد لله أن البوست كان له أثر بإعادة تفكيركم بتطبيق الفكره
      إقتراحي دراسة الموضوع وتطبيقه ولو على نطاق ضيق في البداية(بالتعاون مع جمعية المنطققه أو إحدى المدارس فيها)
      وبعدين لو تزيدين النسبة للمشترك لتشجيعهم على المشاركه.
      الله يوفقج .صراحه فكره ممتازه ولها أكثر من فايده.
      حياج الله أختي أسعدنا مروركم
      وتمنياتي أشوف المعرض قريبا

  6. على مستوى شخصي موضوعك أثر فيني ,,,

    بطريقة إيجابيه … كنت أنوي التخلص من قطعة أثاث … الحين بحاول اعمل لها ريسايكل ..

    عساك على القوة :))

    • الحمد لله .والله إني إستانست إن الموضوع كان له تأثير شخصي.
      المشكله إن قمنا نستسهل التخلص من الشي وشراء بديل له مع إمكانية إستخدامه.
      يعني كرسي أو قنفه شنو يمنع نغير خامها ونّجدها وتطلع يديدهز
      الله يقويج إختي وحياج الله دوم.

  7. اخي العزيز تحلطم ، مواضيعك موجعة ، تجعلني أتسائل ” انحن شعب مترف ام مسرف؟ ” ، ” انعي ما نفعل؟” ، ” انعرف ما نريد؟” ، ” انشتري ما نحتاج؟” ، ” هل نفكر بالمسقبل؟”
    أسئلة اترك لك اجابتها ، و لكني لن اعطيك العمر كله للإجابة عليها.

    • من وجهة نظري,وأتكلم عن إطار عام:
      نحن شعب حوّلَنا الترف إلى مسرفين,
      لا نعي معظم مانفعله,
      لا نعرف تحديدا مانريد ,
      كثير من مشترياتنا لها دوافع أخرى خلاف الحاجه,
      آخر ما نفكر فيه هو المستقبل.
      ومع الأسف يشترك في آخر عبارة المواطن وصاحب القرار
      حياك الله وشكلي قلّبت المواجع على مايقولون إخوانا المصريين.
      تنورني زيارتكم دائما.

  8. جملة وحدة ذكرت في تعليقكم قبلي اختصرت كل ما كنت أود ذكره
    (نحن شعب حولنا الترف إلى مسرفين)..
    نقطة ثانية
    هناك أناس لا يلقون في الحاوية ولا يتبرعون ولا يبيعون إنما يكنزون في المخزن !! حتى متى!! لا أدري!! أود فقط لو أفهم فلسفة حب التملك الذي يملكون!

    قلتم: كثير من مشترياتنا لها دوافع أخرى خلاف الحاجة
    وأنا أقول: كثير من قمامتنا لها منافع أخرى شرط إصلاح بعضها وتدبير الأخرى

    نقطة ثالثة
    أعجبني الحوار بين الحاوية والحاوية ..ربما أعجبني بث الحياة في الجمادات وإتقانه بحيث رأيتهم وسمعت صوتهم..فتحية

    شكرا على الدعوة التي تلقيتها
    وشكرا على المتعة التي إلتقمتها

    • مشكلة في من يسرفون ومشكلة مزدوجة في من يكنزون
      فعلا سلوك غريب غير مفهوم
      قد تكون دوافعه البخل وإستكثار إستخدام الجديد من المقتنيات
      أو تعويض شعور سابق بالحرمان

      فعلا كثير من قمامتنا لها منافع بعد إصلاح بسيط لكن المشكلة في الإسراف وسوء التدبير

      وحول بث الحياة في الجمادات فهذه التجربة الثانية لي فقد سبق أن كتبت قصة قصيرة عنوانها”مذكرات سياره” على نفس المنوال
      (تجدينها حينما تضغطين على “قصص” أعلى الصفحة الرئيسية للمدونة وستظهر عدة قصص
      إضغطي أسفل الصفحة على “مواضيع سابقة” وستجدينها في تلك الصفحة

      أتشرف بقرأتكم لها وأستفيد من رأيكم حولها
      الشكر لكم على زيارتكم التي أسعدتني كثيرا وكلي أمل بإستمرارها

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: