T7l6m

حذروني من الخروج بعد صلاة الجمعه .ألقيت نظرة على ميدان التحرير بعد الصلاة فرأيت ثكنة عسكريه.كان مليئا بقوات الأمن المركزي و سيارات الإسعاف وتلك المخصصة لمكافحة الشغب.عدت إلى غرفتي فرأيت قوات كثيرة على جسر قصر النيل (الجسر الذي لم يظهر على شاشات التلفزيونات يوم الجمعه وهو الذي يزين مدخليه تماثيل لأسود).كان في طرف الجسر عند الجانب المتجه للميدان كثير من المتظاهرين.
وكلما دخل المتظاهرون إلى الجسر توجهت إليهم قوات الأمن وأوقفتهم ثم تدفعهم إلى بدايته,بإستخدام المياه والقنابل المسيلة للدموع.كنت أتابع تلك المظاهرة على الطبيعة وأتابع المحاولات الأخرى التي تجري في الجسر الموازي على شاشة التلفزيون.إستمر المشهد بين كر وفر بين المتظاهرين ورجال الأمن وكلما تزايد المتظاهرون جاءت تعزيزات عسكرية إضافية.
رُفع أذان العصر فصلّت مجموعة من المتظاهرين في منتصف الجسر ويتم رش المياه عليهم.نجحت قوات الأمن بطرد المتظاهرين من الجسر والتمركز على مدخله, وإنتشر المتظاهرون على الشارع المقابل للجسر وفي الميدان الصغير المواجه له.وكانت أعداد المتظاهرين تتزايد تدريجيا في مواجهة قوات الأمن.
إزداد عدد المتظاهرين فقد إستطاعت الجموع الموجودة في ميدان طه حسين (المقابل لفندق شيراتون القاهرة) إكتساح قوات الأمن وقطع المسافة التي تقارب 2 كيلو متر حتى بلغوا الجسر.ومع تزايد المتظاهرين تزايدت قسوة رجال الأمن وملئت طلقات القنابل المسيلة للدموع السماء.كان إطلاق القنابل المسيلة للدموع من بنادق رجال الأمن كثيفا جدا وكان بعضها يسقط في مياه النيل وما يسقط بين المتظاهرين يسرع بعض الشباب بإلتقاطه وإلقاءه في النيل,وعند الإلتحام كان الشباب يلقون بما يُرمى عليهم من القنابل على رجال الأمن الذين لا يرتدون أقنعة تقيهم تلك الغازات .
إستخدم رجال الأمن كل مايملكونه من وسائل للجم جماح المتظاهرين والحد من تقدمهم من قنابل مسيلة للدموع و عربات مكافحة الشغب الكبيرة التي تطلق المياه كما إستخدموا السيارات الأصغر حجما لدفع المتظاهرين بل ودهسهم.وعلى الرغم من إجراءات رجال الأمن إلا أن المتظاهرين إستمروا بالتقدم بإصرار نادر وبسالة وشجاعة و عزيمة أثارت إعجابي و زادتني تقديرا فوق تقديري للشعب المصري.
و بعد ساعات من تلك الحشود وقبل صلاة المغرب أدركت قوات الأمن عجزها عن إيقاف سيل منهمر من الجماهير الغاضبة فتراجعت أمام إصرارها .وكان مشهد الجسر بعد تراجع رجال الأمن مؤثرا ونادر الحدوث فقد كان أشبه بنهر من البشر يحمل لافتات ويهتف.بعدها ذهبت إلى الدور الثامن عشر في الفندق حيث توجد صالة الأدوار التنفيذية والتي تطل على ميدان التحرير مباشرة وقد طلب مني موظفو الفندق الإبتعاد عن الشبابيك لأسباب أمنيه إلا أني ألقيت نظرة سريعة على الميدان ,الذي لم تصل إليه حينها جموع المتظاهرين ,فرأيت عدة أعمدة من الدخان في أفق القاهرة من الجهة الشرقية للفندق(والميدان).
تابعت بعدها التلفزيون فشاهدت مناظر مسجلة لمواجهات النهار كما تم الأعلان عن أوامر القائد العسكري (الرئيس مبارك)بحظر التجول والطلب من الجيش النزول إلى القاهره.واصلت متابعتي للتلفزيون وكنت بين وقت وآخر ألقي نظرة من شرفة الغرفة على كورنيش النيل عند سماع أصوات .أطفأ الفندق الأضواء عن واجهته الأماميه وكان موظفو الأمن المتواجدين في الدور الرابع (حمام السباحه) يطلبون من النزلاء إغلاق الشبابيك والستائر.
وبعد فترة سمعت أصوات لم أتبينها فخرجت إلى الشرفة فإذا بالناس يلقون الحجارة والقضبان الحديدية وكل ماتقع عليه أيديهم على سيارات الأمن المركزي المنسحبة في مشهد شديد الغرابة وقمة في الخيال أن تراه في القاهره .شبهت هروب الشرطة المهين وقذفهم بالحجارة من المتظاهرين بضرب شخص لآخر بالنعال لإهانته لا إيلامه,وكانت لحظة تشفي للمواطنين بمن إنتهك حقوقهم وكرامتهم وأذّلهم لسنوات طويله.
وتوالت طوال الليل أصوات الإنفجارات وكلما سمعت أحدها ذهبت إلى الشرفه ,وقد تبين أنها نتيجة إنفجار خزانات الوقود لسيارات الأمن التي أحرقها المتظاهرون.وقد غطت سماء القاهرة سحب من الدخان وملأ الجو رائحتها .
وسنتناول في البوست القادم بإذن الله اليوم التالي لتلك الأحداث The Day After

وهذا فيلم يلخص في تسع دقائق ونصف أحداث الساعات الأربع على الجسر وكما رأيتها من شرفة غرفتي(تصوير إنجليز ولاحظوا فرحتهم بنجاح المتظاهرين)

أعتقد بعد الفيلم أدركتم سبب التمسك بالميدان ورفض مغادرته ,وكما وصف معلق الBBC فإن من يسيطر على الميدان هو من يسيطر على القاهره